الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.ولاية عاصم على خراسان وعزل الجنيد. بلغ هشاما سنة ست عشرة أن الجنيد بن عبد الرحمن عامل خراسان تزوج بنت يزيد بن المهلب فغضب لذلك وعزله وولى مكانه عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي وكان الجنيد قد مرض بالاستسقاء فقال هشام لعاصم: إن أدركته وبه رمق فأزهق نفسه فلما قدم عاصم وجده قد مات وكانت بينهما عداوة فحبس عمارة بن حزيم وكان الجنيد استخلفه وهو ابن عذبة فعذبه وعذب عمال الجنيد..ولاية مروان بن محمد على أرمينية وأذربيجان. لما عاد مسلمة من غزو الخرز وهم التركمان إلى بلاد المسلمين وكان في عسكره مروان بن محمد بن مروان فخرج مختفيا عنه إلى هشام وشكا له من مسلمة وتخاذله عن الغزو وما أدخل بذلك على المسلمين من الوهم وبعث إلى العدو بالحرب وأقام شهرا حتى استعدوا وحشدوا ودخل بلادهم فلم يكن له فيهم نكاية وقصد أراد السلامة ورغب إليه بالغزو إليهم لينتقم منهم وأن يمده بمائة وعشرين ألف مقاتل ويكتم عليه فأجابه لذلك وولاه على أرمينية فسار إليها وجاءه المدد من الشام والعراق والجزيرة فأظهر أنه يريد غزو اللان وبعث إلى ملك الخزر في المهادنة فأجاب وأرسل رسله لتقرير الصلح فأمسكهم مروان إلى أن تجهز وودعهم وسار على أقرب الطرق فوافاهم ورأى ملك الخزر أن اللقاء على تلك الحال غرر فتأخر إلى أقصى بلاده ودخل مروان فأوغل فيها وخرب وغنم وسبى إلى آخرها ودخل بلاد ملك السرير وفتح قلاعها وصالحوه على ألف رأس نصفها غلمان ونصفها جواري ومائة ألف مد تحمل إلى الباب وصالحه أهل تومان على مائة رأس نصفين وعشرين ألف مد ثم دخل أرض وردكران فصالحوه ثم أتى حمرين وافتتح حصنهم ثم أتى سبدان فافتتحها صلحا ثم نزل صاحب اللكز في قلعته وقد امتنع من أداء الوظيفة فخرج يريد ملك الخزر فأصيب بسهم ومات وصالح أهل اللكز مروان وأدخل عامله وسار مروان إلى قلعة سروان فأطاعوا وسار إلى الرودانية فأوقع بهم ورجع..خلع الحرث بن شريح بخراسان. كان الحرث هذا عظيم الأزد بخراسان فخلع ست عشرة ولبس السواد ودعا إلى كتاب الله وسنة نبيه والبيعة للرضا على ما كان عليه دعاة بني العباس هناك وأقبل إلى الغاربات وجاءته رسل عاصم مقاتل بن حيان النبطي والخطاب بن محرز السلمي فحبسهما وفروا من السجن إلى عاصم بدم الحرث وغدره وسار الحرث من الغاربات إلى بلخ وعليها نصر بن سيار والتخيبي فلقياه في عشرة آلاف وهو في أربعة فهزمهم وملك بلخ واستعمل عليها سليمان بن عبد الله بن حازم وسار إلى الجوزجان عليها ثم سار إلى مرو ونمي إلى عاصم أن أهل مرو يكاتبونه فاستوثق منهم بالقسامة وخرج وعسكر قريبا من مرو وقطع الجسور وأقبل الحرث في ستين ألفا ومعه فرسان الأزد وتميم ودهاقين الجوزجان والغاربات وملك الطالقان وأصلحوا القناطر ثم نزع محمد بن المثنى في ألفين من الأزد وحماد بن عامر الجانبي في مثلها من بني تميم إلى عاصم ولحقوا به ثم اقتتلوا فانهزم الحرث وغرق كثير من أصحابه في نهر مرو وقتلوا قتلا ذريعا وكان ممن غرق حازم ولما قطع الحرث نهر مرو ضرب رواقه واجتمع إليه بها ثلاثة آلاف فارس وكف عاصم عنهم..ولاية أسد القسرى الثانية بخراسان. كتب عاصم إلى هشام سنة سبع عشرة أن خراسان لا تصلح إلا أن تضم إلى العراق ليكون مددها قريب الغوث فضم هشام خراسان إلى خالد بن عبد الله القسري وكتب إليه: إبعث أخاك يصلح ما أفسد فبعث خالد أخاه أسدا فسار على مقدمته محمد بن مالك الهمداني ولما بلغ عاصم الخبر راود الحرث بن شريح على الصلح وأن يكتبا جميعا إلى هشام يسألانه الكتاب والسنة فإن أبى اجتمعا وأبى بعض أهل خراسان ذلك فانتفض بينهما واقتتلا فانهزم الحرث وأسر من أصحابه كثير قتلهم عاصم وبعث بالفتح إلى هشام مع محمد بن مسلم العنبري فلقيه أسد بالري وجاء إلى خراسان فبعث عاصما وطلبه بمائة ألف درهم وأطلق عمارة بن حزيم وعمال الجنيد ولم يكن لعاصم بخراسان الأمر ونيسابور وكانت مرو الروذ للحرب ووصل لخالد بن عبيد الله الهجري على مثل رأي الحرث فبعث أسد عبد الرحمن بن نعيم في أهل الكوفة والشام إلى الحرث وسار هو بالناس إلى آمد فخرج إليه زياد القرشي مولى حيان النبطي في العسكر فهزمهم أسد وحاصرهم حتى سألوا الأمان واستعمل عليهم يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني وسار إلى بلخ وقد بايعوا سليمان بن عبد الله بن حازم فسار حتى قدمها ثم سار منها إلى ترمذ والحرث محاصر لهما وأعجزه وصول المدد إليها فخرج إلى بلخ وخرج أهل ترمذ فهزموا الحرث وقتلوا أكثر أصحابه ثم سار أسد إلى سمرقند ومر بحصن زم وبه أصحاب الحرث فبعث إليهم وقال: إنما نكرتم منا سوء السيرة ولم يبلغ ذلك النساء واستحلال الفروج ولا مظاهرة المشركين على مثل سمرقند وأعطاه الأمان على تسليم سمرقند وهدده إن قاتل بأنه لا يؤمنه أبدا فخرج إلى الأمان وسار معه إلى سمرقند فأنزلهم على الأمان ثم رجع أسد إلى بلخ وسرح جديعا الكرماني إلى القلعة التي فيها ثقل الحرث وأصحابه في طخارستان فحاصرها وفتحها وقتل مقاتلهم ومنهم بنو بزري من ثعلب أصحاب الحرث وباع سبيهم في سوق بلخ وانتقض على الحرث أربعمائة وخمسون من أصحابه بالقلعة ورئيسهم جرير بن ميمون القاضي فقال لهم الحرث: إن كنتم مفارقي ولابد فاطلبوا الأمان وإن طلبتموه بعد رحيلي لا يعطونه لكم فأبوا إلا أن ارتحل فبعثوا بالأمان فلم يجبهم إليه وسرح جديعة الكرماني في ستة آلاف فحصرهم حتى نزلوا على حكمه وحمل خمسين منهم إلى أسد فيهم ابن ميمون القاضي فقتلهم وكتب إلى الكرماني بإهلاك الباقين واتخذ أسد مدينة بلخ دارا ونقل إليها الدواوين ثم غزا طخارستان وأرض حبونة فغنم وسبى.
|